• الموقع : موقع وزير الخارجية اللبنانية : عدنان منصور .
        • القسم الرئيسي : أقسام الموقع .
              • القسم الفرعي : مقالات .
                    • الموضوع : أبعد من الملف النووي الإيراني .

أبعد من الملف النووي الإيراني

 أبعد من الملف النووي الإيراني

عدنان منصور*
منذ أن وقّعت إيران اتفاقية مع روسيا عام 1995 بهدف بناء مفاعل بو شهر النووي لإنتاج الطاقة للأغراض السلمية، الذي كان من المقرر إنجاز بنائه عام 2007، لم تتوقّف الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل عن إثارة الملف النووي الإيراني، إذ إنّ الضغوط الأميركية لمنع إيران من امتلاك الطاقة النووية السلمية كانت تصبّ في كل اتجاه، ولم تتوقّف يوماً منذ ذلك التاريخ، علماً أنه في عام 1983 أجرى مفتشو الوكالة الدولية للطاقة الذرية تفتيشاً للمنشآت النووية الإيرانية، التي كانت موجودة في حينه، ووضعوا تقريراً عن مقترح تعاون لمساعدة إيران على تخصيب اليورانيوم، إلّا أنّ برنامج المساعدة هذا توقّف لاحقاً نتيجة الضغط الأميركي.
وفي العام ذاته وقّع الرئيس الأرجنتيني Paul Alfonsin اتفاق تعاون نووي مع إيران، لتزويدها باليورانيوم المخصّب، إلّا أنّ الرئيس الأرجنتيني كارلوس منعم عاد عام 1991 تحت ضغط واشنطن وأوقف التعاون النووي مع إيران من جانب واحد، وإن استمرّ هذا التعاون جزئياً.
وفي عام 1996 بلغّت الصين وإيران الوكالة الدولية عن مشاريع لبناء منشآت للتخصيب في إيران، لكن سرعان ما انسحبت الصين من الاتفاقية الثنائية نتيجة الضغط الأميركي، ولو أنّ بكين زوّدت إيران بكمية من الغاز الضروري لاختبار عملية تخصيب اليورانيوم.
ورغم أنّ الوكالة الدولية في 11 تشرين الثاني من عام 2003 أعلنت أنه ليس هناك من براهين وأدلة تفيد أنّ إيران تسعى إلى تصنيع القنبلة الذرية، ورغم أنّ الأمم المتحدة أخذت بتقرير الوكالة لاحقاً، فإنّ واشنطن، بعد يومين، أي في 13 تشرين الثاني عام 2003، ادّعت أنّ من المستحيل تصديق تقرير الوكالة الدولية.
وإذا كان من المقرر تدشين مفاعل بو شهر النووي قبل عام 2009، فإنّ الضغوط الأميركية الأوروبية على روسيا، والابتزاز الذي مورس، أخّرا إنجاز المشروع، ممّا أثار لدى الإيرانيّين امتعاضاً واضحاً، وطرح تساؤلات عديدة لديهم. وعلى الرغم من أنّ إيران موقّعة على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، وهي عضو في الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وموقّعة على البروتوكول الإضافي التابع لها، ورغم أنّ البرنامج النووي الإيراني لا يزال تحت سقف بنود المعاهدة وقوانين الوكالة الدولية، التي تعطي الحق للدول في امتلاك الطاقة النووية السلمية، فإنّ الغرب، الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية، ومعهما إسرائيل، لم يجدوا في البرنامج النووي الإيراني إلّا هدفاً عسكرياً تلجأ إليه طهران، علماً أنّ الوكالة الدولية لم تُثبت حتى الآن أنّ إيران تسير في برنامج نووي عسكري، وخاصةً أنّ نسبة التخصيب لم تتعدّ نسبة 20%.
الاتهام الغربي، الذي يستند إلى تخمينات، تواجهه تطمينات إيرانية بعدم تسخير الطاقة النووية لأغراض عسكرية، بل الهدف منها تنويع مصادر الطاقة، حيث إنّ إيران بحاجة إلى أكثر من 20 ألف ميغاواط، أي 20 مليار كيلوواط ساعة في الأعوام القادمة.
إنّ المواجهة الرئيسة بين الغرب، الممثل بالولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي، وإيران، لا يستهدف فقط ملف إيران النووي فحسب، (في عهد محمد رضا بهلوي الذي كان يسير في ركاب السياسة الأميركية، وُضعت خطط لبناء 20 مفاعلاً نوويّاً في البلاد بدعم الولايات المتحدة ومساعدتها، وقد وقّع العديد من الاتفاقيات مع الشركات الغربية، حيث بدأت الشركة الألمانية Kraftwerk Union المتفرعة من Siemens ببناء محطة بو شهر عام 1974، التي عادت وأوقفت عملها بُعيد قيام الثورة)، بل الأهم النظام الإيراني برمّته، الذي ما انفك يكون منذ عام 1979 عصيّاً على سياسات دول الهيمنة، وعائقاً كبيراً في تنفيذ مخطّطاتها في المنطقة، وسدّاً منيعاً في وجه العدوان الإسرائيلي.
المسألة مسألة نظام يتعزّز ويقوى ويتجذّر، ودولة استطاعت أن تحبط كل المؤمرات عليها، وتقضّ مضاجع الغرب، وتثير هواجسه لما حقّقته من إنجازات، تجعلها أقوى وأصلب وهي تواجه تحديات الدول المتربّصة بالمنطقة. وهي دولة استطاعت أنّ تحقّق لنفسها دوراً إقليمياًَ فاعلاً وضاغطاً من خلال ما نسجته الثورة على مدار سنوات من علاقات اقتصادية وسياسية وتجارية، ولا سيّما الطاقويّة منها، جعل منها شريكاً استراتيجياً مؤثّراً وحيوياً لاقتصادات العديد من دول العالم. كما أنها دولة تمكّنت من تحقيق الأمن الغذائي لنفسها، رغم تضاعف عدد سكانها منذ قيام ثورتها، والبالغ عدده اليوم 72 مليوناً، ما جعلها في المرتبة الأولى في الشرق الأوسط، من حيث الإنتاج الغذائي والزراعي، وبالتالي جعلها تمتلك، إلى حد بعيد، قرارها السياسي والاقتصادي والعسكري المستقل.
ثُمّ إن إيران تستطيع بما تحويه من موادّ أوّلية هائلة أن تجذب مئات المليارات من الدولارات كي تُستثمر في مجالات الطاقة والصناعة والزراعة والبنى التحتية، تجعلها مستقبلاً في مصافّ الدول المتقدمة في العالم. وهي دولة تمكّنت، رغم الحصار الأميركي الأوروبي الصارم والمتواصل، أن تكسر الحظر التكنولوجي والنووي، وأن تحقّق إنجازات كبيرة لافتة في مختلف المجالات الصناعية والعلمية والفضائية والعسكرية، وأن تمتلك دورة الوقود النووي، وتمسك بالتكنولوجيا النووية. كما أنها دولة رسمت لنفسها سياسة وطنية مستقلة جعلتها تقول لا وبصوت عال لقوى التسـلّط، وتغرّد خارج السرب الأميركي الأوروبي، وتكون عصيّة على الآخرين، وتناهض سياسات الهيمنة والتفرّد في المنطقة، وتقاوم الاحتلال والأمر الواقع ، وتناصر حركات المقاومة، وتتصدّى لتهديدات العدو الإسرائيلي المتواصلة، وتمنعه من الاستفراد بدول المنطقة وشعوبها.
دولة ما زالت تمثّل العقبة الرئيسة والعائق الأول في وجه السياسات الأميركية الأوروبية والإسرائيلية في المنطقة، وتحبط مخططاتها وأهدافها، وما تروّجه من مشاريع معنونة تارةً بشرق أوسط جديد، وتارةً أُخرى بشرق أوسط كبير. دولة ما زالت تتصدى وتُفشل المشاريع الأميركية الأوروبية ومشاريع شركائهما للإمساك والتحكّم والسيطرة على الطاقة في الشرق الأوسط (النفط والغاز)، حيث تحتل إيران المركز الرابع في تصدير النفط، وتمتلك ثاني احتياط غاز في العالم.
دولة استطاعت أن تصون أمنها القومي ومجالها الحيوي من خلال قوة عسكرية ضاربة، وإنجازات كبيرة ضخمة لفتت أنظار العالم، ووفّرت لها الحماية وعدم الاستنجاد بالآخرين، وعزّزت الدور المقاوم في فلسطين ولبنان وسوريا ضد العدوان الإسرائيلي وسياسات الهيمنة والتسلّط للدول الكبرى.
دولة استطاعت بتوجّهاتها الوطنية وسياساتها المستقلة أن تحرج العديد من دول المنطقة، التي تدور في الفلك الأميركي أمام شعوبها، وهي ترى القواعد العسكرية الأجنبية جاثمة على أراضيها والأساطيل الحربية تجوب مياهها. إنّ وجود هذه القواعد بدأ يحرج الأنظمة، ويحرّك المشاعر الوطنية لشعوب المنطقة، ويطرح عليها علامات استفهام كثيرة بشأن حقيقة هذا الوجود العسكري الأجنبي وأهدافه، وحقيقة دور الأنظمة في هذه المجال، وفي مصلحة من يصب هذا الوجود على المدى البعيد. إنّ ترويض الأسد الإيراني يبقى غاية أوّلية وهدفاً أميركياً أوروبياً إسرائيلياً مباشراً، لا يقبل التردّد والتراجع، وإنْ تعدّدت الحجج والمبرّرات. فوجوده وبقاؤه يعنيان إمساك إيران بموازين القوّة في المنطقة، وبالتالي منع دول الهيمنة من الاستفراد بها. وهذا يعني باختصار أنّ السياسات الغربية الاستراتيجية في المنطقة، وبالذات لجهة المقاومة في فلسطين ولبنان، ورسم خريطة جديدة للشرق الأوسط على الطريقة الأميركية الأوروبية الإسرائيلية، لن تمرّ، وبالتالي، لن تفلح سياسات واشنطن في المنطقة في إحراز التقدم قبل أن تنعم إيران بالأمان، وتتوقّف المؤامرات ضدها، ولن تنعم إسرائيل بالأمن طالما أنّ شعوباً في المنطقة ما زالت تعاني من ويلات الاحتلال والتهجير، وسياسة القضم والضم والتطهير العرقي والاستيلاء على الأماكن المقدّسة، ورفضها الالتزام بالقرارات الدولية ذات الصلة.
* سفير لبنان السابق في طهران

  • المصدر : http://www.adnanmansour.net/subject.php?id=115
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2010 / 08 / 28
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28